06 - 07 - 2025

كتاب | مستقبل كبير للوبي الإيراني ثالث أقوى جماعات الضغط في أمريكا

كتاب | مستقبل كبير للوبي الإيراني ثالث أقوى جماعات الضغط في أمريكا

الباحث محمد محمود مهدي : اللوبي ينتعش بصعود الديمقراطيين في واشنطن والإصلاحيين في طهران

 رغم ما شهده العقدان الماضيان من نموٍ ملحوظ لقوى الضغط الإيراني في أمريكا، بظهور المجلس الأمريكي الإيراني (AIC) والمجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، وكذلك ما يُثار حول محاولاتهما على التوالي في إعادة صياغة السياسات الأمريكية تجاه طهران على نحو أكثر اعتدالًا، وتأثيرهما وفقًا لتقارير عدة في مواقف تتعلق بالشأن الإيراني كقضية العقوبات وعدم توجيه ضربة عسكرية وتمرير الاتفاق النووي في منتصف عام 2015، ومحاولاته في تكوين رأي عام مضاد لإدارة الرئيس دونالد ترامب؛ فإن الأدبيات العربية تفتقر إلى مكّون بحثي يتناول بالرصد والتحليل، كيف استثمر النظام في طهران مجتمع الأمريكيين الإيرانيين في تشكيل قوى ضغط (لوبي إيراني) يدافع عن قضاياها في مؤسسات السياسة الأمريكية.

تأسيسًا على ذلك فإن هذا الكتاب "أمريكا وجماعات الضغط.. إيران ومؤسسات صنع القرار السياسي" للباحث محمد محمود مهدي والصادر عن دار العربي بتقديم د.سالم حميد رئيس مركز المزماة للدراسات والبحوث، الذي رأى أن الكتاب يمنح العبرة للأمريكيين العرب في كيفية خلق لوبي للدفاع عن المصالح العربية بين أروقة السياسة الأميركية، وبخاصة أن العرب في أمريكا يمتلكون من مقومات الصعود والنجاح ما يتفوق على مقومات الأمريكيين الإيرانيين، من حيث الإمكانات البشرية والمادية واعتبارات القومية فضلًا عن القضية العادلة، إلى جانب أهمية الاستفادة من حقيقة أن جماعات الضغط بشكل عام أصبحت جزءًا من آليات عمل النظام الأمريكي، في ظل تمكين البنية القانونية في أمريكا لجماعات الضغط من ممارسة تأثيرها على صُناع القرار السياسي لتحقيق أهدافها.

يتتبع الكتاب جذور جماعات الضغط الإيرانية ومستوى حضورها وحدود تأثيرها لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك عبر فصوله الثلاثة، انطلاقا من المكوِّن المعرفي للأمريكيين الإيرانيين وما أفرزوه من جماعات ضغط أو لوبي في أمريكا، مع بيان جذور تكوينهم ومدى حضورهم وحدود تأثيرهم ومراحل توهجهم وسكونهم ومستقبلهم في السياسة الأمريكية الموجه ناحية القضايا الإيرانية.

يأتي الفصل الأول، كمدخل تمهيدي لفهم البيئة الإطارية وحدود النظام السياسي والاجتماعي والقانوني الذي تمارس من خلاله جماعات وقوى اللوبي تفاعلاتها وممارساتها في النظام السياسي الأمريكي، وبذلك سوف يتناول هذا الفصل جماعات الضغط في أمريكا من حيث نشأتها وتطورها وقانونية عملها، وكذلك المؤسسات الرسمية وغيرها، المسؤولة عن عملية صُنع وتوجيه القرار السّياسي في النظام الأمريكي وأثر هذه الجماعات في توجهاتها بخاصة تجاه العالم الخارجي.

يركز مهدي في الفصل الثاني على محورين اثنين، ينطلق أولهما من فرضية، أن جماعات الضغط التي ترتكن على جمهور مُوسع ومتميز من الأفراد يمنحها قدرًا أكبر من الديمومة والتأثير، وبناء على ذلك، يأتي هذا المحور متعمقًا فيما يسمون بالأمريكيين الإيرانيين، وهم الأمريكيون من أصل إيراني، الذين هاجروا لأكثر من عقودٍ أربعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأثبتوا - مقارنة بباقي المجتمعات المهاجرة - حضورًا يُعتد به في مختلف مناحي الحياة الأمريكية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية. ورغم معارضة الكثيرين منهم للنظام الإيراني، فإنهم لا يدخرون جهدًا في الدفاع عن موطنهم الأصل وتقديم صورة أكثر إيجابية عن الحضارة الفارسية والشعب الإيراني، بينما يرسم المحور الثاني، صورة مجُسدة لما أفرزه المجتمع الأمريكي الإيراني من قوى ضغط في الداخل الأمريكي، لعل أبرزهم: المجلس الأمريكي الإيراني (AIC)، الذي ذاع صيته في فترة التسعينيات من القرن الماضي، والمجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، الذي سطع نجمه مع بداية الألفية الجديدة ويستمر حتى كتابة هذه السطور ممثلًا للوبي الإيراني – إن جاز التعبير - بالولايات المتحدة الأمريكية، وانبثقت عنه مجموعات عمل تستهدف زيادة انخراط الأمريكيين من أصل إيراني في الحياة السياسية الأمريكية.

ويتعمق مهدي في الفصل الثالث متتبعا أكثر دوائر صنع القرار السياسي الأمريكي استيعابًا لقوى الضغط الإيراني أو بالأحرى التي يستشري فيها حضوره ونفوذه سواء في الإدارة الأمريكية (البيت الأبيض)، الذي ضم لاسيّما فترة الرئيس باراك أوباما عددًا من هذه العناصر، وكذلك فترة الرئيس جو بايدن، أو الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ أو مراكز الفكر الأمريكية، فضلًا عن رصد وتحليل حدود تأثير هذه العناصر متفرقة أو مجتمعة في شكل جماعات ضغط على عدد من القضايا التي تخص الجمهورية الإيرانية كالعقوبات الأمريكية منذ وقوع أزمة الرهائن الأمريكية عام 1979، وتأثيرها فيما يتعلق بالقضيّتين العراقية والسورية، فضلًا عن حدود تأثيرها في معركة تمرير الاتفاق النووي الإيراني مع المجموعة السداسية داخل أروقة الكونجرس الأمريكي، التي خاضها اللوبي الإيراني ممثلًا في المجلس الوطني الإيراني- الأمريكي (NIAC) مع اللوبي الإسرائيلي (لجنة الشؤون العامة الأمريكية- الإسرائيلية (AIPAC)، متسلحًا بمجموعة من الأدوات والكيانات سواء تلك التي أنشأها اللوبي الإيراني لأجل دعم تمرير الاتفاق، أو منظمات وجماعات السلام الأمريكي والبيت الأبيض التي دعمت اللوبي الإيراني في هذه المعركة، فضلًا عن رصد ممارساته خلال إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب من عام 2017 حتى عام 2021 الذي قدّم سياسات شديدة العداء تجاه طهران، وعلت في عهده خطابات الاستعداء، وانسحب من الاتفاق النووي منفردًا في مايو من عام 2018. 

يرى مهدي إن جماعات الضغط تلعب دورًا متزايد الأهمية في النظام السياسي الأمريكي، ويوجد توافق عام بأن لممارسي الضغوط تأثير كبير في سن القوانين المحلية والخارجية وحشد الأصوات في الانتخابات، والتأثير على الأحزاب السياسية والسياسيين على السواء، وذلك باستخدام أدوات عدة على رأسها الدعم المالي؛ إذ أنفقت جماعات الضغط مساندةً لقضاياها عام 2008 نحو 3.31 مليار دولار ومن ثم زاد في عام 2009 إلى نحو 3.5 مليار دولار ووصل إلى ذروته في عام 2010 ليسجل نحو 3.51 مليار دولار، ولكنه أخذ في الانخفاض فترة الرئيس باراك أوباما ما بين أعوام 2011 وحتى 2016 ليتراوح من 3.32 إلى 3.16 مليار دولار، إلى أن أخذ في الارتفاع مرة أخرى منذ عام 2017 حتى 2020 ووصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة؛ ففي عام 2020 وحده بلغ إجمالي إنفاق جماعات الضغط في الولايات المتحدة 3.49 مليار دولار أمريكي، ويعد هذا انخفاضًا طفيفًا عن 3.51 مليار دولار أمريكي تم إنفاقها على الضغط في عام 2019.

ويلفت إلى أن الجماعات العرقية اليهودية تعتبر أحد أكثر الجماعات نفوذًا في أمريكا من حيث القدرة التنظيمية والتأثيرية والموارد المالية والعضوية الفاعلة، وتواجد أفرادها في العديد من المواقع الرسمية وغيرها، وتأتي الجماعات العرقية من اليونانيين والأرمن الأمريكيين، في المرتبة الثانية بعد الجماعات اليهودية من ناحية التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه دعم اليونان وأرمينيا، فيذكر أن هاتين الجماعتين العرقيتين قد تمكنتا من إدخال عشرات القرارات إلى الكونجرس تتهم تركيا بالتمييز الديني، فضلًا عن الجماعة القومية الإيرانية، التي حقق أفرادها نجاحًا يفوق العديد من المجموعات العرقية الأخرى في الولايات المتحدة من حيث التعليم والمناصب الأكاديمية والوظائف العليا وقدرتهم على توليد الثروة وتكوين شبكة علاقات قوية داخل المجتمع الأمريكي مكنتهم من تشكيل جماعات ضغط للعمل لصالحهم ولصالح دولتهم الأم.

ويؤكد مهدي إنه بحسب قياسات التجربة والخبرة مقارنة بالجماعات أو "اللوبيات" الأُخرى عتيقة المنشأ في الولايات المتحدة الأمريكية، حقق اللوبي الإيراني استنادًا على مقومات عدة وبدرجات متفاوتة تقدمًا ملموسًا في العديد من القضايا، وإن كان بطيئًا في بعضها أو ساكنًا في مواضع أُخرى وفترات بعينها، فإنه يُحسب له محاولاته شبه المستمرة واستخدامه وتوظيفه الجيِّد لكافة ما يمتلكه من أدوات مهما قل شأنها، لأجل التأثير في التوجهات السياسية الأمريكية ناحية طهران وقضاياها في الإطار الإقليمي.وكما يجُسد اللوبي الإيراني نموذجًا بما حققه من نقاط تحُسب له أمام أقوى "اللوبيات" في الداخل الأمريكي، لاسيِّما فيما يتعلق وتمرير الاتفاق النووي عام 2015، ومحاولاته المستمرة نحو تحقيق أهدافه والتغلب على معوقاته وتدعيم أواصر نموه واستدامته في الداخل الأمريكي، يجُسد أيضًا نموذجًا يمكن أن يُقدم - بقراءة جذوره وقصة صعوده والقدرة على توظيف الاختلاف بين دواعمه - العبرة والعظة للأمريكيين العرب في كيفية خلق قوى ضغط أو "لوبي" مماثل يُدافع عن المصالح العربية بين أروقة السياسة الأمريكية، خاصة وأنهم يمتلكون قدرًا لا بأس به من مقَّومات الصعود والنجاح وإن كانت تفوق مقومات الأمريكيين الإيرانيين، حيث الإمكانات البشرية والمادية الأكبر واعتبارات القومية فضلًا عن القضية العادلة، ورغم ذلك، يظل الطابع الفردي في ممارسات الضغط العربية والظهور المتقطع والعمل لقضية دون غيرها ولدولة دون الأُخرى واختلاف وجهات النظر هو الطابع السائد حتى الآن.

ويقول "في الحقيقة، إن للتغيرات الحاصلة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لاسيِّما خلال الفترة الممتدة من عام 2009، إلى بدايات عام 2017، بوصول الرئيس باراك أوباما إلى سدة الحكم، الذي تبنَّى منذ وصوله إلى السلطة مقترحات للتقارب مع إيران، وأيضًا وصول الرئيس حسن روحاني، الذي جاء بهدف إنهاء حالة الصراع الدولي مع بلاده، وبالتالي كان أكثر انفتاحًا ناحية الغرب، كل ذلك كان له أكير الأثر في إحراز اللوبي الإيراني تقدمًا فيما يتبناه من أهداف تجاه حلحلة العلاقات الأمريكية الإيرانية نحو التقارب وحثٍّ الأمريكيين على فتح باب المحادثات والجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران والحيلولة دون توجيه ضربة عسكرية لها، وكذلك التغيرات الحاصلة بوصول الرئيس دونالد ترامب، الذي تبنَّى على النقيض من أوباما سياسات المواجهة وفرض العقوبات ونقض الاتفاق النووي، كان له أثر كبير في تراجع ملموس للوبي الإيراني في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه طهران، واقتصار دوره على تكوين رأي عام ضد هذه السياسات وانشغاله أكثر بالقضايا التي تهم المجتمع الأمريكي الإيراني".

ويشير مهدي إلى أن "للوبي" الإيراني مستقبلًا كبيرًا في الولايات المتحدة كونه يمتلك العديد من مقومات الاستدامة والنجاح، حيث أنه ينطلق اعتمادًا على كتلة مجتمعية متميزة في الداخل الأمريكي، ربما لا تكون معظمها مؤيدة للنظام الحاكم في طهران، وإنما مؤيدة للشعب الإيراني والأرض الإيرانية، وربما تكون متعددة الأيدولوجيات والأفكار، ولكنها متوحدة القومية، التي تعد من أهم مقومات انطلاق "اللوبي" الإيراني في أمريكا، بأنه يروج لرؤيته ورسالته كونه يُدافع عن إيران والحضارة الفارسية وحقوق الشعب الإيراني في حياة أفضل بعيدًا عن الصراعات والتهديدات، فضلًا عن امتلاكه كافة الأدوات التنظيمية والمادية والاستراتيجية القائمة على موازنة انتشاره في كافة مواطن صُنع السياسة الأمريكية، وإن كان حضوره أكبر في البيت الأبيض لاسيما فترة الرئيس باراك أوباما ومستودعات الفكر الأمريكية دون الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، مما أهَّله للعب دور في توجيه السياسات الأمريكية ناحية طهران على نحو أكثر قبولًا.

ويخلص مهدي إلى أن هذا المستقبل ليس مطلقًا بل مرهونًا بعوامل عدة، أهمها استمرار الحزب الديمقراطي في الحكم مقرونًا إلى حد كبير باستمرار الإصلاحيين في سدة الحكم داخل طهران، لأنها من الواضح وجود علاقة طردية بين الإصلاحيين في طهران والديمقراطيين في أمريكا فوصولهما الاثنين معًا إلى رأس السلطة في كلا البلدين يخلق مزيدًا من المساحات لعمل قوى الضغط الإيراني على اختلافها مجتمعة كانت أو منفردة، أما وصول تيار المتشددين في طهران أو الجمهوريين في أمريكا فقد تضيق معه هذه المساحات كثيرًا، أضف إلى ذلك عوامل تتعلق بتوجهات القيادة الدينية في طهران ومدى الغالب على رؤاها فيما يتعلق وعلاقتها مع النظام الأمريكي، فضلًا عن مدى قدرة أعضاء "اللوبي" الإيراني في توسيع قاعدته من الأمريكيين الإيرانيين باعتماده على المقاربة القومية لاسيِّما في ظل ممارسات وسياسات النظام الإيراني المتشددة وغير المفهومة في الوقت نفسه في أجزاء كثيرة منها، كالحكم مثالًا لا حصرًا بالسجن على سياماك نيمازي ووالده بتهمة التعاون مع الحكومة الأمريكية، وذلك رغم، مجهوداته في تكوين المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، وغيرها من الممارسات في الداخل الإيراني التي ربما في حال استمرارها تُعيق من سرعة انطلاق اللوبي الإيراني في أمريكا".
----------------------------------
مراجعة - محمد الحمامصي